الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
هي أن الإنسان إذا أفرد الله - سبحانه - بالتوكل، فإنه يعتمد عليه في حصول مطلوبه وزوال مكروهه، ولا يعتمد على غيره. والتوكل: هو الاعتماد على الله - سبحانه وتعالى - في حصول المطلوب، ودفع المكروه، مع الثقة به وفعل السباب المأذون فيها، وهذا أقرب تعريف له، ولا بد من أمرين: الأول: أن يكون الاعتماد على الله اعتمادا صادقا حقيقيا. الثاني: فعل الأسباب المأذون فيها. فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب، نقص توكله على الله، ويكون قادحا في كفاية الله، فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزال المكروه. ومن جعل اعتماده على الله ملغيا للأسباب، فقد طعن في حكمة الله، لأن الله جعل لكل شيء سببا، فمن اعتمد على الله اعتمادا مجردا، كان قادحا في حكمة الله، لأن الله حكيم، يربط الأسباب بمسبباتها، كمن يعتمد على الله في حصول الولد وهو لا يتزوج. والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظم المتوكلين، ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب، فكان يأخذ الزاد في السفر، ولما خرج إلى أُحد ظاهر بين درعين، أي: لبس درعين اثنين، ولما خرج مهاجرا أخذ من يدله الطريق ولم يقل سأذهب مهاجرا وأتوكل على الله، ولن أصطحب معي من يدلني الطريق، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتقي الحر والبرد، ولم ينقص ذلك من توكله. ويذكر عن عمر رضى الله عنه أنه قدم ناس من أهل اليمن إلى الحج بلا زاد، فجيء بهم إلى عمر، فسألهم فقالوا: نحن المتوكلون على الله. فقال: لستم المتوكلين، بل المتواكلون. والتوكل نصف الدين ولهذا نقول في صلاتنا فنطلب من الله العون اعتمادا عليه سبحانه بأنه سيعيننا على عبادته. وقال تعالى: والتوكل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: توكل عبادة وخضوع، وهو الاعتماد المطلق على من توكل عليه، بحيث يعتقد أن بيده جلب النفع ودفع الضر، فيعتمد عليه اعتمادا كاملا، مع شعوره بافتقاره إليه، فهذا يجب إخلاصه لله تعالى، ومن لغير الله، فهو مشرك شركا أكبر، كالذين يعتمدون على الصالحين من الأموات والغائبين، وهذا لا يكون إلا ممن يعتقد أن لهؤلاء تصرفا خفيا في الكون، فيعتمد عليهم في جلب المنافع ودفع المضار. الثاني: الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه وغير ذلك، وهذا من الشرك الأصغر، وقال بعضهم:من الشرك الخفي، مثل اعتماد كثير من الناس على وظيفته في حصوله على رزقه، ولهذا تجد الإنسان يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا اعتماد افتقار، فتجد في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ما هو ظاهر، فهو لم يعتقد أنه مجرد سبب، بل جعله فوق السبب. الثالث: أن يعتمد على شخص فيما فوّض إليه التصرف فيه، كما لو وكلت شخصا في بيع شيء أو شرائه، وهذا لا شيء فيه، لأنه اعتمد عليه وهو يشعر أن المنزلة العليا له فوقه، لأنه جعله نائبا عنه، وقد وكل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علي ابن أبي طالب أن يذبح ما بقى من هديه، وككل أبا هريرة على الصدقة، ووكل عروة بن الجعد أن يشتري له شاه، وهذا بخلاف القسم الثاني، لأنه يشعر بالحاجة إلى ذلك، ويرى اعتماده على المتوكل عليه اعتماد افتقار. ومما سبق يتبين أن التوكل من أعلى المقامات، وأنه يجب على الإنسان أن يكون مصطحبا له في جميع شؤونه، قال شيءخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله: (1) وكذلك القدرية، لأنهم يقولون: إن العبد مستقل بعمله، والله ليس له تصرف في أعمال العباد. ومن ثم نعرف أن طريق السلف هو خير الطرق، وبه تكمل جميع العبادات وتتم به جميع أحوال العابدين. **** وقد ذكر المؤلف في هذا الباب أربع آيات، أولها ما جعله ترجمة للباب وهي: قوله تعالى: والفاء لتحسين اللفظ وليست عاطفة، لأن في الجملة حرف عطف وهو الواو، ولا يمكن أن نعطف الجملة بعاطفين، فتكون لتحسين اللفظ، كقوله تعالى: قوله وقول أصحاب موسى في هذه الآية يفيد أن التوكل من الإيمان ومن مقتضياته، كما لو قلت: إن كنت كريما فأكرم الضيف. فيقتضي أن إكرام الضيف من الكرم. وهذه الآية تقتضي انتفاء كمال الإيمان بانتفاء التوكل على الله، إلا إن حصل اعتماد كلى على غير الله، فهو شرك أكبر ينتفي له الإيمان كله. وقوله: **** الآية الثانية: قوله تعالى: {إنما المؤمنون}. (إنما): أداة حصر، والحصر هو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، والمعنى: ما المؤمنون إلا هؤلاء. وذكر الله تعالى في هذه الآية وما بعدها خمسة أوصاف: أحدهما: قوله: الوصف الثاني: قوله: كيف أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ فقال: الوصف الثالث: قوله: الوصف الرابع: قوله: الوصف الخامس: قوله: **** قوله: الآية الثالثة قوله تعالى: و {النبي} فعيل بمعنى مفعل بفتح العين ومفعل بكسرها، أي: منبأ، ومنبئي، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ منبأ من قبل الله، ومنبئ لعباد الله. قوله: (حسبك الله). أي: كافيك، والحسب: الكافي، ومنه قوله أعطى درهما فحسب، وحسب خبر مقدم، ولفظ الجلالة مبتدأ مؤخر، والمعنى: ما الله إلا حسبك، ويجوز العكس، أي: أن تكون حسب مبتدأ ولفظ الجلالة خبره، ويكون المعنى: ما حسبك إلا الله وهذا هو الأرجح. قوله: وهذا ضعيف، والجواب عنه من وجوه: أولا: قولهم: عطف عليه لكونه أقرب ليس بصحيح، فقد يكون العطف على شيء سابق، حتى أن النحويين قالوا: إذا تعددت المعطوفات يكون العطف على الأول. ثانيا: قولهم: لو عطف على الكاف لوجب إعادة الجار، والصحيح أنه ليس بلازم، كما قال ابن مالك: ثالثا: استدلالهم بقوله تعالى: فالتأييد لهم غير كونهم حسبه، لأن المعنى كونهم حسبه أن يعتمد عليهم، ومعنى كونهم يؤيدونه أي ينصرونه مع استقلاله بنفسه ، وبينهما فرق. رابعا: أن الله - سبحانه وتعالى - حينما يذكر الحسب يخلصه لنفسه، قال تعالى: خامسا: أن في قوله: (ومن اتبعك) ما يمنع الصحابة حسبا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك لأنهم تابعون، فكيف يكون التابع حسبا للمتبوع؟ هذا لا يستقيم أبدا، فالصواب أنه معطوف على الكاف في قوله: (حسبك)، أي: وحسب من أتبعك من المؤمنين، فتوكلوا عليه جميعا أنت ومن اتبعك. قوله: **** الآية الرابعة: قوله تعالى: والآية تفيد بمفهومها أن من توكل على غير الله خذل، لأن غير الله لا يكون حسبا كما تقدم، فمن توكل على غير الله تخلى عنه، وصار موكولا إلى هذا الشيء ولم يحصل له مقصوده، وابتعد عن الله بمقدار توكله على غير الله.
وعن ابن عباس، قال: **** قوله في أثر ابن عباس رضى الله عنهما:" قال محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قالوا له: وهذا في نص القرآن لما انصرف أبو سفيان من أُحد أراد أن يرجع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ليقضي عليهم بزعمه، فلقي ركبا فقال لهم: إلى أين ذهبون؟ قالوا نذهب إلى المدينة. فقال: بلغوا محمدا وأصحابه أنّا راجعون إليهم فقاضون عليهم. فجاء الركب إلى المدينة، فبلغوهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه: حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرجوا في نحو سبعين راكبا، حتى بلغوا حمراء الأسد، ثم إن أبا سفيان تراجع عن رأيه وانصرف إلى مكة، وهذا من كفاية الله لرسوله وللمؤمنين، حيث اعتمدوا عليه تعالى. قوله: قوله: {إن الناس}. أي: أبا سفيان ومن معه، وكلمة الناس يمثل بها الأصوليون للعام الذي أُريد به الخصوص. قوله: {حسبنا}. أي: كافينا، وهي مبتدأ ولفظ الجلالة خبره. قوله: {نعم الوكيل}. (نعم): فعل ماضي، (الوكيل): فاعل، والمخصوص محذوف تقديره: هو، أي: الله، والوكيل: المعتمد عليه سبحانه، والله - سبحانه - يطلق عليه اسم وكيل، وهو أيضا مُوكّل، والوكيل في مثل قوله تعالى: {نعم الوكيل}، وقوله تعالى: وليس المراد بالتوكيل هنا إنابة الغير فيما يحتاج إلى الاستنابة فيه، فليس توكيله سبحانه من حاجة له، بل المراد بالتوكيل الاستخلاف في الأرض لينظر كيف يعملون. وقول ابن العباس رضى الله عنهما: وابن عباس ممن يروي عن بني إسرائيل، فيحتمل أنه أخذه منه، ولكن جزمه بهذا، وقرنه لما قاله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يبعد أن يكون أخذه من بني إسرائيل. الشاهد من الآية: قوله تعالى: (تنبيه): قولنا: "وابن عباس ممن يروى عن بني إسرائيل" قول مشهور عند علماء المصطلح، لكن فيه نظر، فإن ابن عباس رضى الله عنهما ممن ينكر الأخذ عن بني إسرائيل، ففي (صحيح البخاري) (5/291 - فتح) أنه قال: *** فيه مسائل: الأولى: أن التوكل من الفرائض.ووجهه أن الله علق الإيمان بالتوكل في قوله تعالى: الثانية: أنه من شروط الإيمان. تؤخذ من قوله تعالى: الثالثة: تفسير آية الأنفال وهي قوله تعالى: الرابعة: تفسير الآية في آخرها، أي: آخر الأنفال. وهي قوله تعالى: الخامسة: تفسير آية الطلاق. وهي قوله تعالى: السادسة: عظم شأن هذه الكلمة، وأنها قول إبراهيم عليه السلام ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشدائد. يعني قول: وفي الباب مسائل غير ما ذكره المؤلف، منها: زيادة الإيمان، لقوله تعالى: ومنها: أنه عند الشدائد ينبغي أن يعتمد على الله مع فعل الأسباب، لأن الرسول صلى الله عليه وأصحابه قالوا ذلك عندما قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، ولكنهم فوّضُوا الأمر إلى الله، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. ومنها: أن اتباعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الإيمان سبب لكفاية الله للعبد.
|